الأربعاء، ١٠ أكتوبر ٢٠٠٧

وحدة قياس النظر

ذات مرة، عبر معي أحدهم الطريق، وكان مهذبا للغاية وأصر أن يساعدني في معرفة رقم الأتوبيس الذي وددت أن أركبه لأقضي أحد المشاوير الخاصة بي.

كان المتطوع بتوصيلي هذا أنيقا ماهرا في الحديث، ولكم تبادلنا وتجاذبنا أطراف الحديث لأن الوقت طال في انتظار الأتوبيس.

إلا أنه سأل سؤال لم أعرف له إجابة حتى الآن:

بينما كنا نعبر الطريق الذي اعتدت عبوره، مرات ومرات إذ قربنا من الرصيف الذي ينتصف الشارع، ذلك الرصيف الذي تركني عنده أخونا الذي حكيت لكم عنه سابقا، وقبل أن ينبهني بقدوم الرصيف رفعت قدمي و واعتدلت صاعدا الرصيف.
فاندهش ولم يعقب.

ولم أستغرب دهشته، ربما أراد أن يعرف كيف لي أن أعرف مكان الرصيف بهذه الدقة، غافلا بأنني أعبره يوميا أكثر من مرة.


وأسرها المتطوع في نفسه ولم يبدها لي، ولما ألف الحديث إلي ورأى مرونة في القول تساعده على السؤال قال لي:

هو حضرتك ممكن تشوف أد إيه؟
يعني متزعلش مني، إنت ممكن تشوف أد إيه؟

فمازحته قائلا:
يدوب 20 جرام.

فلم يضحك، ولأن معرفتي به توقعت منه الضحك، إلا أنه ربما لم يفهم إجابتي.

أوضحت له المقصد لألا يتأذى من طريقتي الساخرة:

يا رجل: أنت تقول: أد إيه. وأنا معنديش مقياس، ولكن ما يمكن أن أقوله لك، أنني أرى الضوأ والاتجاهات كما أخبرني الطبيب منذ سنوات، وأنني عرفت الرصيف وحدي من كثرة مروري به، الأمر لا يحتاج مني لرؤية أصلا!

فتعجب الرجل: وقال: سبحان الله! وله أن يتعجب حقا،

ولكن المفارقة العجيبة أنني سألت نفسي نفس السؤال:

هو أنا بشوف أد إيه؟

طيب كيف لي أن أحسب ذلك؟ هل بالمتر؟ أم بالقنطار؟
طيب لو بالمتر إذن لظلمنا قصير النظر، الذي يرى المسافات القريبة فقط، أو لظلمنا طويل النظر الذي لا يرى الأشياء إلا عن بعد!

طيب فماذا تكون وحدة قياس النظر؟

يا ريت يقول لي أحد!!!