الخميس، ١١ سبتمبر ٢٠٠٨

يشتمون كف البصر ونشتم الإبصار

ظهرت علينا إحدى شركات البرمجيات يوما ما ببرنامج يحاكي البرامج الأجنبية في قراءة الشاشة للحاسب من أجل ضعاف البصر والمكفوفين وكان البرنامج صريخا ثم تطور إلى أن يصبح رضيعا في مجال تصميم برامج الحاسب المتخصصة، لما تمخض الصخر وولد لنا الإبصار الذي يضيئ لنا شاشات الحاسب وشاشات الماسحات الضوئية كان لزام على ولي أمره تسميته فسموه إبصارا ربما لأنه يبصر الطريق أو ربما لأنه يحتاج لمن يبصره بالطريق، قامت الشركة بوضع كل طاقاتها في إنتاج هذا الحل العربي المتكامل الذي يشتمل على تطبيق خاص بقراءة المستندات عن طريق المسح الضوئي والتعرف الضوئي على الحروف وقامت كذلك بإدراج قارئ لشاشة الحاسب ومنظم للبريد الإلكتروني وغير ذلك من الوظائف الشيقة التي تعين الكفيف على الرضا بكف بصره والرضا بنعمة العقل التي تميزه.

يقول فريق التسويق القائم على بيع المنتج المذكور بأنه يمنح الكفيف مستخدم الحاسب الاستقلالية في التعامل مع حاسبه الشخصي بالمنزل وحاسبه المرافق له في الطرقات وأنه بمثابة الرفيق الأمين الذي يعين الكفيف على الخوض في غمار تكنولوجيا المعلومات، ولما كنا ننصحهم بتعديل واجهة البرنامج يوما ما كانوا يزدرون اقتراحاتنا ويؤكدون على أن البرنامج يعبر عن آخر ما توصل إليه العلم في مجال البرمجة في هيئة برنامج بين يدي مستخدمه.

والسؤال الذي يطرح نفسه بعيدا عن المشكلات الفنية والاستعمالية للبرنامج: لماذا لا تتبنى الشركة المنتجة تعيين فريق من المكفوفين لديها للعمل كبقية موظفيها بما أن مشكلتهم في استخدام الحاسب قد تلاشت بعيدا بالمنتج الجديد؟ ولماذا يصرح منتجو ومطورو البرنامج بتصريحات مجحفة وغير موضوعية بأن الكفيف لن يتمكن من التعامل مع الحاسب بشكل أمثل أبدا أبدا؟ وكيف يتسنى للشركة إنتاج منتج يسري في السوق سريان النار في الهشيم وهم يدركون أن المكفوفين غير قادرين على التعامل مع الحاسبات الآلية لهذا الحد الذي يزعمونه؟ ثم لماذا إذن لم يطالعوا كم البرامج الناطقة والبرامج قارئة المستندات الموجودة على الإنترنت وفي كل أرجاء العالم؟

يزعمون بأن العمى قصور في حق صاحبه ولا يدركون أن الإبصار قصور في حق كل أعمى.